احمد العلي

إيمان - ابنة

كان والدي يتمنى أن يرزق بولد إذ لم يكن لديه إلا بنات وكان يُلقب ب"أبو البنات". لكن لم تسنح الفرصة التعرف على إبنه وسام.

أذكر مجادلاتنا الصغيرة وكيف كنتُ أُمازحه دوماً وأٌقلد صوته وأمدُّ لساني عندما كان بصحبة رفاقه. إذ أشعر بأنني أشبهه كثيراً وإنني ورثتُ شخصيته القوية والمرحة.

لقد أثر فقدانه كثيراً علينا. إذ لم تتوقف والدتي ولا حتى جدتي عن البحث عنه. إذ لجأتا الى الصليب الأحمر وبحثتا عنه في

عدة سجنون ولدى العديد من الجهات السياسية، لكن دون جدوى. وتقدمت إمرأة مسنة من معارفنا بالقول لنا بأنها رأته وعدة أشخاص، معصوبي الأعين على طريق ضهر البيدر. وتم إبلاغ والدتي بأنه في إحدى السجون السورية ولكن نصحونا بعدم الذهاب وأن البحث عنه هناك كان دون جدوى. وكنا نتلقى العديد من الإتصالات والأخبار عن إطلاق سراحه وعودته إلينا ولكن لم يكن بإستطاعتنا التأكد من تلك الأخبار.

بقينا نتأمل بعودته إلينا ولكن مع الوقت إضمحلّ ذلك الأمل. أذكر أن الإسرائليين كانوا قد أسروا عمي بعد فقدان الوالد ولكن أُفرج عنه بصفقة تبادل وعاد الى لبنان ليكمل حياته من جديد. أما والدي فهو لم يعد حتى الآن.

شارك يعض أفراد عائلتنا في الإعتصامات والتظاهرات التي أُقيمت للمطالبة بمتابعة ملف المفقودين في الحرب الأهلية. إذ شاركتُ أنا شخصياً وإصطحبتُ أولادي في كل مرة. والآن، بات أولادي يتابعون قضية المفقودين ويحثوني على المتابعة في هذه القضية ويتأثرون بالقصص التي يسمعونها عن أشخاص آخرين فُقدوا كما فُقد جدهم في الحرب الأهلية.

صحيح بأن العديد من الجمعيات والهيئات الإنسانية قد قامت بمساعدتنا في ظل غياب الوالد ولكن لم يستطيعوا مساعدتنا بملئ الفراغ الذي نشعر به لدى فقدانه. إذ أشعر بأن "هناك دائماً شيئ ناقص في غيابه".