سوسن - أخت
احمد خطف سنة 1976 شهر اذار
والدة احمد توفيت شهر اذار 2016 بعد معاناة للبحث عن احمد وهلق انا راح كمل مسيرة البحث ل ماما ترتاح لان وصيتها كانت اني كمل الطريق ل بلشت هي فيه
سوسن - أخت
حين فقد أخي كان عمري ٨ سنوات، وعندما كبرت قليلاً أصبحت أنزل مع والدتي و اشارك في الإعتصامات. .كنت اشارك الأهالي أينما ذهبوا وأتوا في أي شيء: من مؤتمرات، إلى نقابات منذ أن كنت صغيرة، منذ سنة ال ٧٦ وحتى الأن أصبح عمري ٤٥ سنة وما زلت أنزل وأصبحت من ضمن اللجنة. حتى أن أولادي كانوا ينزلون معي. تجوزت وصار عندي أولاد. أولادي كانوا ينزلون معي كي يشاركوني في لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين. أحمد أخذوه المسلحين، ولم يعرف شيء. لم نعرف شيء. أصبحت أمي تنزل كل يوم وتفتش على أخي، كان عندها معارف حاولوا أن يساعدوها كثيراً.
لم نعرف شيء حتى أوائل ال1980، كانوا في جونيه يضعون ناس على بواخر، كان قد إلتقط صحافي أجنبي صورة لذلك ومازلت أملك هذه الصورة. كانوا في هذه الصورة يضعون الشباب على متن الباخرة. ومن ثم أخذوهم إلى إسرائيل. أخي موجود في هذه الصورة، وهناك عدّة أشخاص من الأهالي قد تمكنوا من التعرّف على اولادهم في هذه الصورة أيضاً. في الفترات الأولى، ضاعت أمي. كنا نسكن مع عمتي. كانت تتركنا أمي و تنزل على البحر. لم تعد تهتم بنا. كنا لا نزال صغاراً. بقيَت فترة وهي تبكي إلى جنب البحر. فقدت اعصابها وهي تبحث عن أخي، فقدت كل شيء. إلى أن جاء أشخاص ذات يوم كانوا يعرفون أمي وقالوا لها: فقدتي واحد، هل تريدين أن تفقدي الجميع؟ حينئذٍ تجمعنا من جديد. كنا نعلم أن كان يوجد معابر بين الشرقية والغربية، صرنا نلتقي، أهالي المفقودين المسيحيين والمفقودين المسلمين، على المتحف، على المعابر. نريد اولادنا ولا نريد المزيد من الخطف. و مازلنا حتى الأن، نحن كلجنة، ننبّه اننا لا نريد مخطوفين جُدد. ما زلنا نبحث عن القدامى، لا نريد أن ينفقد أحداً من الشباب من هذا الجيل. لا نريدُ حرباً من جديد. لا زلنا نطالب بالمفقودين. أولادي مثلاً لا يعرفون خالهم، فقط من خلال الصورة. وأولاد أخي كذلك، لا يعرفون من هو "عمو أحمد"، فقط في الصورة. يعرفون أن لديهم عمّاً إسمه أحمد. لم توافق أمي أن تطلب المساعدة من أي حزب كي لا يُتهم أخي بأنه ينتمي إلى حزبٍ ما. لأن أخي لم يكن محزباً. كانت هي التي تبحث عنه كي لا تدخل أحد. في البداية كنا نسكن في منطقة ساقية الجنزير، اتصلوا حينها ناس بأمي وقالوا لها أنهم يريدون أن يسمعونها صوت ابنها مقابل المال. كانو يأخذون منها ١٠٠ - ٢٠٠ ليرة ويقولون لها أن تنتظره اليوم كي تسمع صوته أو كي ترى صورته. دفعت الكثير ولكن لم تتمكن يوم أن تسمع صوته. كانوا هؤلاء الناس يتلاعبون بمشاعر الأهالي. كنا في العائلة قريبون جداً من بعضنا البعض. نبكي كل مرة نتكلم فيها عن أخي أحمد. حتى الأن لا يزال أخي الكبير يتخيل أن أخي أحمد سوف يرجع. وكذلك اخوتي الشباب، يتخيلون تكراراً أن أخي سوف يرجع. لا يستطيعون فعل شيء حتى و قد عُرض عليهم من قبل أشخاص كانوا يقولون لأخوتي أنهم يمكنهم أن يُخفوا أحد ما من أجل إرجاع أخي. ولكن رفضت أمي وقالت لهم أنه مثلما هي أم لا تريد جلب أي سوء لأي أم أخرى. لم يكن هناك ما نورثه، لم نكن نملك شيء. ولكن تفككت العائلة. كنا قريبين كثيراً من أمي التي كانت تتركنا إلى حين حضنتنا من جديد. ولكن استمرت بالنزول واستمرت بالبحث عن أخي. كنا نذهب معها وفي البداية كانوا اخوتي يشاركون. لا أقبل الأن أن تنزل أمي، أنا أنزل بدلاً عنها. أرفض أن تشارك هي في أي شيء لأن صحتها لم تعد قادرة على مساعدتها. و كل مرة كانت تنزل، كانت تمرض. لاتزال حتى الأن وهي على حالها. تمكنت من أن تهتم بنا وتطالب في ذات الوقت بأخي. ولكن مازلت تبكي عندما يسألها أحد عن أخي
لا زلنا نطالب من أجل المفقودين الذين فُقدوا خلال الحرب الأهلية. ظننا أن الحكومة قد تساعدنا في البحث، أو قد تكتشف معلومات من الأحزاب التي شاركت في الحرب، أو أن تقوم في البحث عن المقابر الجماعية، أو أن تحقق مع الذين خطفوا لأن كثير من الناس اعطت أسماء الذين خطفوا، لكن هذا لم يحصل. جاء عفواً عامًا عن جميع الذين ارتكبوا جرائم في الحرب. يعيشون الأن حياة طبيعية و كأن الذين اختفوا ليس لديهم أهل، ليس لديهم قيمة، ولا شيء. لا يريدون محاكمتهم. نحن لا نطالب بمحاكمتهم، نحن نطالب بالتحقيق معهم. نريد أن نعرف مصير المخطوفين، نعرف ماذا حصل معهم، أين اصبحوا. إذا كانوا قد قتلوهم فاليقولو لنا اننا قتلناهم ودفناهم هنا. باستطاعتهم الأن أن يُعرف لمن تعود هذه العظام من خلال بحوث الد ن اى. لا نطالب بمحاكمتهم لأن هذا لن يحصل. ولكن يستطيعوا أن يسألونهم عن مصيرهم. لا نريد من اللذين خطفوا وقتلو سوى أن يقولوا لنا ماذا فعلوا بهم. لا نريد محاكمتهم ولا معاقبتهم. هناك الخيمة للأهالي، هناك فرح العطاء، هناك الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان. هناك الجميع من الجمعيات التي تشارك معنا ونشاركهم. نحن كنا قد بدأنا قبل الجميع. حتى جمعية الأهالي في الخيمة كانت من ضمن جمعيتنا. كنا نهتم بجميع شؤون المخطوفين وحتى المعتقلين في سورية. فكما هو معلوم، إن الذين كانوا في إسرائيل كانوا لجهة أخرى. من أهم الأشياء هو أن يكون هناك توعية متوفرة إلى الشباب. لا تنتموا إلى أي حزب ما، انتموا إلى وطنكم فقط. ليس هناك إفادة من أي حزب. كل هذه الأحزاب تهتم إلى مصالحها فقط. إذا مات هذا الشخص أو فُقد، لن تسأل عنه. محطات الإعلام عليها بالمشاركة كي توعي الشباب. أرى شبان يفتعلون المشاكل من أجل رأساء الأحزاب اللذين ينتمون إليها. هل ترى أن رئيس حزبك سيفتعل اشكال من أجلك. سياستكم لبلدكم، أما مذهبكم ودينكم فهو لكم أنتم وهو شيء خاص بكم.
جمال - شقيق
أحمد كان منتِجاً وغيابه عن المنزل اثر سلبا على الوضع المادي. الوالدة تأثرت كثيراً خصوصاً أنه خُطِف امام عينيْها، وبسبب تفاقم هذا الألم اصابتها العديد من الامراض في القلب والسكري وارتفاع الضغط ولغاية الآن لا زال هذا الموضوع يؤثر عليها جسديا .. أما بالنسبة لبقية افراد العائلة فالموضوع يضايقهم بشكل نفسي أكثر. طُلِب من أهله أن يُوَفوه اثناء عملية حصر الإرث لكنهم رفضوا ذلك لتمسكهم بالأمل.
من بعض الذكريات، حينما أراد تعلّم القيادة. كانت ذكرى جميلة. وفي مرة أخرى نَزِل هو وأخوه الى دار السينما وتأخرا هناك، وحينما عاد الى المنزل، تَحَمَلَ مسؤولية هذا الخطأ أمام الوالدة كونه كان أكبر من أخيه .. وكثيراً ما كان يهرب هو وأخيه من المنزل ويسيران باتجاه ساحة الشهداء وغالباً ما كانت تنتهي الأمور بمشاكل مع الوالدة. آخر ذكرى لدي لأحمد هي أنه كان مقدراً أن أذهب مكانه في سيارة الأجرة ولكنه لم يرض بذلك ما اضطره الى دفعي جانباً وفتح باب السيارة والجلوس قبلي.
لا أستطيع وصف شعوري عند التحدث عن أحمد. ولا يمكن وصفه سوى أنه شعورٌ بحسرةٍ كبيرة ولا املك سوى احتباسُ دموعي. لو سنحت لي الفرصة بالتكلم معه سأقول له: اتمنى يا اخي لو انني كنتُ من ذهب في سيارة الأجرة ولم تذهب انت...
أما بخصوص مطالبنا في ما يخص قضية المفقودين في لبنان، نحن لدينا امل كبير ولكن هناك تقاعس من الدولة بل اهمال ونسيان كلّي لهذا الموضوع.